نصرالله قال لا لخامنئي؟
تشبه وقائع هذا المقال ما يدور في عالم الخيال. التقى المرشد الإيراني علي خامنئي على عجل في مقرّه في طهران الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في 7 تشرين الأول عام 2023. وأتى اللّقاء الذي تمّ على عجل، وكان يوم سبت، بطلب من المرشد بعد ساعات من اقتحام حركة "حماس" بزعامة قائدها يحيى السنوار غلاف غزة وقتل وأسر المئات من الإسرائيليين. وقرر خامنئي استدعاء نصرالله بعدما وصلته من جانب الأخير أجوبة على طلبات المرشد لم ترق للأخير.
عقد اللقاء قرابة عصر ذلك اليوم بحضور قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني. وبعد ترحيب خامنئي بضيفه الذي كان يرتدي كالمعتاد زيه الديني فشرح تاريخ العلاقات بين "حزب الله" وحركة "حماس". مشيراً إلى أنّها تعود إلى عام 2006 عندما استولت الحركة لأوّل مرة على القطاع وطردت منافستها حركة "فتح" وتالياً السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
وأعرب نصرالله أيضاً عن شكوكه في سلوك "حماس" في الآونة الأخيرة وصولاً الى تفرّدها بمعركة "طوفان الأقصى" من دون تنسيق مع سائر أطراف محور المقاومة بدءاً بـ"الحزب". وتطرّق نصرالله إلى مقترح تلقّاه في بيروت قبل مجيئه إلى طهران حمله العميد في الحرس الثوري عباس نيلفروشان، (كشف عن اسمه الشيخ نعيم قاسم وللمرة الأولى في 23 شباط الماضي) وفيه دعوة "الحزب" إلى فتح جبهة المساندة "فوراً" عند الحدود الجنوبية مع إسرائيل. وسأل نصرالله قآني: "أي نوع من المساندة تتحدّث عنها؟" وسأل أيضاً: "ماذا تقصد؟"
أجاب قآني بغضب: "أنا أتحدّث عن نوع المواجهة والتي لن تنتهي بتدمير بلدك".
ثم بدأ قآني في مهاجمة نصرالله: "أعتقد أنّه من غير المحترم بالنسبة لك أن تأتي إلى مكتب المرشد لمحاولة التقاضي في هذا الأمر أمام وسائل الإعلام الإيرانية"، وألقى قآني محاضرة: "يجب أن تشكر المرشد على محاولته قيادة هذا الصراع."
واتهم قآني نصرالله بالقيام بـ "حركة دعائية" في لبنان. وسأل: "هل تعتقد أنّه من المحترم المجيء إلى مكتب سماحة المرشد ومهاجمة توجيهاته التي تحاول منع تدمير لبنان؟"
حاول نصرالله الردّ على تأكيدات قآني وقال إن ايران قد تشعر بالتهديد من قبل إسرائيل يوماً ما. وقال: "لديك مسافة بينك وبين إسرائيل ولا تشعر بالتهديد الآن، لكنّك ستشعر به في المستقبل".
أثار ذلك المرشد خامنئي، الذي قاطع نصرالله. وقال رافعاً صوته: "لا تخبرنا بما سنشعر به". "أنت لست في وضع جيّد. ليس لديك من الأوراق ما تهدّد به الآن".
أجاب نصرالله : "أنا لا ألعب الورق". "أنا جادّ جدّاً، سيّدي المرشد. أنا من يخوض الحرب".
ردّ خامنئي: "تظنّ نفسك أنّك تقامر بالحرب العالمية الثالثة. وما تفعله هو عدم احترام شديد لإيران، هذا البلد، الذي دعمك أكثر بكثير ممّا قال الكثير من الناس إنّه يجب أن يفعلوه."
عندئذ وقف المرشد وأنهى اللقاء بإشارة من إصبعه. وخرج نصرالله من غرفة الاجتماع وهو يحاول أن يتمالك نفسه كيف انساق وراء فكرة رفضه الانجرار في حرب ضد إسرائيل مجدّداً وليس هناك ما يضمن "أن تسلم الجرّة" مجدّداً كما حصل في حرب 2006. تتوقّف المعلومات عند هذا الحدّ، علماً أنّ الأحداث سلكت مسلكاً آخر في لبنان وغزة ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن. وستتيح المعلومات إذا ما توافرت أن توضح ما الذي جعل نصرالله يتراجع عن كلمة "لا" أطلقها في وجه المرشد وللمرّة الأولى في حياته.
ورد في مستهل المقال أن وقائعه تشبه ما يدور في عالم الخيال. لا بد من الاعتراف أنّها كذلك فيما يتذصل بنصرالله وعلاقته مع خامنئي. لكنّها ليست كذلك على الإطلاق في ما جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الخميس الماضي في حضور نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس.
وورد في المحضر الذي نشرته الـ "نيويورك تايمز" وحمل عنوان "ترامب يوبّخ زيلينسكي في تبادل ناري في البيت الأبيض" كل ما نسب لاحقاً الى كل من خامنئي الذي كان فعلياً ترامب، ونصرالله الذي كان زيلينسكي، واسماعيل قآني الذي كان فانس.
أحدث لقاء البيت الأبيض بين ترامب وزيلينسكي ضجّة عالمية لا مثيل لها في التاريخ. وتصرّف الزعيم الأوكراني بطريقة أدهشت العالم لتصدّيه لتنمّر سيّد البيت الأبيض الذي دعا ضيفه الى الاستسلام في الحرب الدائرة بين بلاده وروسيا. لكن زيلينسكي ردّ بـ"لا" مدوّية ستصبح مثلاً في التاريخ.
ماذا لو تصرّف نصرالله مثل زيلينسكي وأعلن "لا" مماثلة لدعوة المرشد الإيراني قبل فتح جبهة المساندة في 8 تشرين الأول 2023 والتي أدّت إلى مقتل نصرالله ودمار حزبه وتدمير أجزاء واسعة من لبنان؟
تكمن العبرة العميقة في الفارق بين الدكتاتورية وبين الديموقراطية . وقد نشأ نصرالله في إطار النظام الإيراني على طاعة المرشد حتى الموت. بينما نشأ زيلينسكي على طاعة ضميره وحرصه على بلاده حتى لو غضب رئيس أكبر دولة في العالم.
سيكتب التاريخ أن زيلينسكي هو الزعيم الحقيقي أمام ترامب. وفي المقابل، سيكتب التاريخ أن نصرالله هو التابع للمرشد الإيراني لا لوطنه لبنان.
أحمد عياش-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|